حـق الله علـى العـباد

وهي المحاضرة القيمة المهمة العظيمة الفريدة. لفضيلة الشيخ العلامة:

صالح بن فوزان الفوزان

عضو هيئة كبار العلماء

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه. وبعد:-

فإن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق ، خلق الخلق لا من أجل أن يتقوى بهم ، ولا لحاجته إليهم ، وإنما خلق الخلق ليعبدوه   كما قال تعالى: { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} .

وهو ليس بحاجة إلى عبادتهم ؛ لأنه غني عنهم، وعن عبادتهم ، وإنما هم المحتاجون إلى عبادة الله .

فهم المحتاجون إلى العبادة من أجل أن تربطهم بالله عز وجل ، ومن أجل حاجتهم إلى الله عز وجل

يأيها الناس أنتم الفــقراء إلى الله والله هو الغني الحميد}فهم محـتاجون إلى الله في الدنـيا والآخـرة ، محتاجون إلى رزقه  محتاجون إلى جنته، محتاجون إلى عفوه ومغفرته ،محتاجون إليه في كل حالة، لا يستغنون عن الله طرفة عين، محتاجون إليه في كشف ضرهم وجلب النفع إليهم ، محتاجون إليه في حفــظهم  مما يكـرهون ، وما داموا محتاجين إليه ، فما هي الرابطـة والصلة التي تصلهم بالله ، من أجل أن يحقق لهم المنافع، ويدفع عنهم المضار؟ ما هي الصلة؟ ليس هناك صلة إلا عبادة الله سبحانه وتعالى، ولهذا قال بعد هذه الآية:{ ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتــيـن}قال تعالى:{ فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون} فلما كانت هذه العبـادة هي الصلة بينهم وبين الله ، التي بواسطتها يرحمهم الله عز وجل، ويرزقهم الله، ويكرمهم الله في الدنيا والآخرة ، كانت العبادة إذاً هي حق على العباد.قال تعالى: { واعــــبـدوا الله ولا تــشــــركــوا به شـــيئا وبالـوالــديـن إحسـانا وبــذي القــربى واليـتامى والمــساكـين والـجار ذي القربى والـجار الجنـب والصاحب بالجنب وابــن السبيل وما ملكت إيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالاً فخورا} ذكر في هذه الآية الكريمة عشرة حقوق، ولهذا تسمى هذه الآية : آية الحقوق العشرة.

بدأها بحقه سبحانه وتعالى ، ثم بحق الوالدين ، ثم بحق الأقارب ، ثم بحق اليتامى والمساكين ، إلى آخر الحقوق. وقال

سبحانه وتعالى لما ذكر وصية لقمان لابنه {وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم}

ثم قال: { ووصينا الإنسان بوالديه}ذكر حق الله أولاً ؛ وهو عبادته وعدم الإشراك به سبحانه ثم ذكر حق الوالدين.

وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ ابن جبل: [ يامعاذ أتدري ما حق الله على العباد؟ وما حق العباد على الله؟ قلت: الله ورسوله أعلم .

قال:  فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا. قلت: يا رسول الله ، ألا أبشر الناس؟.

قال: لا تخبرهم ؛ فيتكلوا ].

فبـيَّـن صلى الله عليه وسلم حق الله على عباده ؛ وهو: أ ن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا.

ثم بين صلى الله عليه وسلم ثمرة هذه العبادة وفائدتها فقال:

[ وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا ].

فثمرة عبادة الله : أنها تمنع عذاب الله سبحانه وتعالى، وتجلب رحمته ومودته ومحبته لعباده ؛ فهي الصلة بينهم وبين ربهم سبحانه وتعالى.

ولهذا كانت دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام ودعوة  أتباعهم إلى يوم القيامة أنهم:

أول ما يبدؤون : بالدعوة  إلى عبادة الله عز وجل ؛ أول ما يبدؤون الأمم وأول ما يبدؤون الناس أن يطلبوا منهم:-

أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا.

فهذا نوحٌ عليه الصلاة والسلام – أول الرسل إلى أهل الأرض- يقول لقومه: {يا قوم اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا}.

اعبدوا الله ما لكم من إله غيره}.

لقد أرسلنا نوح إلى قومه أن اعبدوا الله ما لكم من إله غيره}.

قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره}.

{وإلى عادٍ أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره}.

وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره}.

وإلى مدين أخاهم شعيبا قال ما قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره}.

وهكذا بقية الرسل عليهم  الصلاة والسلام ؛ أول ما يدعون الناس إلى أن يعبدوا الله سبحانه وتعالى وأن يتركوا عبادة ما سواه ، من الأصنام وسائر المخلوقات ؛ لأن هذا هو حق الله سبحانه وتعالى ، الذي إذا أدوه فازوا في الدنيا والآخـرة. فمهما فعل الإنسـان من  الطـاعات ومن القــربات ، إذا كان عنده خـلل في حــق الله ؛ عندهم شـرك في عبادة الله ، فمهما عمل من الطــــاعات فإن عمله يكون هــباءً منثورا ؛ لا فائدة منه ؛ لأنـــــه لم يؤسس على أساس صحيح وعقيدة سليمة ؛ لأنه لم يؤدي حق الله سبحانه وتعالى.

قال تعالى:{ ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لـــــئـــن أشركت ليحبطن عملك ولتكوننَّ من الخاسرين}.

قال سبحانه وتعالى: {ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون}.

فحق الله سبحانه وتعالى إذا وُجد على الوجه الصحيح ؛ وهو: عبادة الله وحده لا شريك له ، صحت جميع الأعمال  ونجا العبد من النار ودخل الجنة ، وإن كان عنده تقصير في بعض الأعمال أو عنده بعض المعاصي التي هي دون الشرك   { إن الله لا يغفر أن يشرَك به ويغفر ما دون ذالك لما يشاء}{ من يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيما}.

لقد ضل ضلالً بعيدا}.{ إنه من يشرك بالله فقد حرّم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار}.

وفي الحديث: [ من شهِد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وأن عيسى عبد الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه  وأن الجنة حق ، والنار حق ، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل ].

هذا لأنه حقق وأدى حق الله سبحانه وتعالى، فالله جل وعلا يدخله الجنة على ما عنده من العمل، ولو كان عنده بعض النقص ، أو التقصير في بعض الواجبات التي هي دون الشرك ، فإنه مرجوٌ له المغفرة مرجوٌ له الرحمة.

أما الذي أخل بحق الله وأشرك بالله – الشرك الأكبر- كأن يدعو غير الله ، أو يستغيث بغير الله ، أو يذبح لغير الله ، أو

يصرف أي نوع من أنواع العبادة لغير الله ، فهذا لا مطـمع له في السعادة ، ولا طمع له في الجنة ولا نجاة له من النار؛ محققٌ – إذا مات على الشــرك الأكــبر- محققٌ أنه من أهل النار ولــــن يدخل الجنة أبداً.

{إن الذين كـــذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تُـفتـَّح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سَم الخياط} { إنه من يشرك بالله فقد حرَّم الله عليه الجنة}.

حرَّم } يعني منعه منعاً باتـَّاً.

{حرم الله عليه الجنة} الجنة عليه حرام.

ومأواه النار} ليس له مأوى إلا النار.

لأن النار دار المشركين ، دار الكافرين { أعِدت للكافرين }.

لماذا ؟ لأنهم لم يأدوا حق الله سبحانه وتعالى ؛ الذي هو عبادته وحده لا شريك له.

ولما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن قال له:[ إنك تأتي قومـاً من أهـل الكتــاب ، فليكـن أولَ مــاتدعوهم إليه شهادةُ أن لا إله إلا الله ، فإن هم أجابوك لذالك ، فأعلمهم أن الله افــترض عليهم خــمس صـــــلوات في اليــوم والليــلة  فإن هم أجابوك لذالك ، فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقةً تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم ].

هكذا رسم النبي صلى الله عليه وسلم لصاحبه معاذ –  رضي الله عنه – رسم له منهج الدعوة الذي  يسير عليه ، وبدئه بالدعوة إلى التوحيد ؛ الذي هو حق الله على عباده.

لأن التوحيد هو الأساس وهو الأصل وهو القاعدة التي يقوم عليها دين الإسلام ، ولا تصح الصلاة ، ولا الزكاة ، ولا سائر الأعمال إلا بعد تحقق هذا الأصل ؛ ولهذا بدء به  النبي صلى الله عليه وسلم ، وجعل الصلاة والزكاة بعده.

مما يدل على أنه ما لم يتحقق هذا الأصل ويقوم هذا الأصل ويوجَد ، وهو حق الله سبحانه وتعالى، فإنه لا فائدة من بقية

الأعمال ، مهما أتعب الإنسان نفسه فيها.

فالتوحيد هو الأصل وهو الأساس ، والتوحيد هو السبب في مغفرة الذنوب ؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:

[ فإن الله حرّم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذالك وجه الله ] فكما أن الجنة حرام على المشرك ، فإن النار حرام على الموحِّد [ فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذالك وجه الله ].

فالنار حرام على الموحد ، والجنة حرام على المشرك .

إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار}.

إذا كان كذالك –  أيها الاخوة – وكان التوحيد بهذه المنزلة العظيمة وهذا المقام الرفيع،

فلماذا لا نهتم بالتوحيد؟ لماذا لا نتعلم العقيدة  ؛ عقيدة التوحيد؟ لماذا لا ندرسها؟ ولا ندرسها لأولادنا؟

لماذا لا ندعوا إليها وننشرها بين الناس؟

هذا التفريط يهذا الأصل ونسيان هذا الأصل والتساهل فيه ، تساهل بأصل الإسلام، ولهذا كان العلماء منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم وإلى وقتنا هذا وإلى ما شاء الله ، كانوا  يهتمون بتدريس العقيدة ؛ يدرسونها أولاً ، ثم يدرسونها لأولادهم ، ثم يدعون الناس إليها ويبينونها للناس. فأنت إذا جئت إلى مجتمع ، أو إلى جماعة من الناس  وعندهم شيء من الشركيات ؛ عندهم شيء من عبادة  القبور والأضرحة ، عندهم شيء من أنواع الكفر ؛ من السحر، من الشعوذة ، من الكِهانة ، من الأمور التي تنافي  العقيدة ، فيجب عليك أن تبدأ بدعوتهم إلى التوحيـــــــــد وأن تنكر عليهم هذا الشرك  وهذه  الكفريات ، أما أن تدعوهم إلى الأعمال الأخرى ؛ أن تدعوهم إلى الصلاة ، إلى الزكاة، إلى النوافل ، إلى الطاعات  وهم مقيمون على الشرك ، فهذه دعوة خاطئة لا فائدة منها، حتى تبدأ بالأصل وتحقق هذا الأصل عندهم ، ثم بعد ذالك تتجه إلى إصلاح بقية الأمور.

ما يكفي أن الإنسان يقول أنا مسلم ، أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، ما يكفي هذا ، حتى يحقق هذا

الأصل ، لأن كثيراً من الناس يقول لا إله إلا الله ويشهد أن محمداً رسول الله ، لكنه يفسد ذالك بالشـــرك ، يقول لا إله إلا الله ، ثم يقول يا حسين! يا عبد القادر! يا فلان! يا شاذلي! يا يا…!

ينادي الأموات ، يطلب منهم المدد، يطلب منهم الحاجات ، هذا يكون قد أفسد معنى لا إله إلا الله ، ولا تنفعه لا إله إلا الله ، لأنه كالذي يتوضأ ويُـحدِث ، يقول لا إله إلا الله ، توضأ لكن أحدث ، هل  يبقى وضوءه بعد الحدث؟ لا.

فشهادة أن لا إله إلا الله ليست مجرد لفظ يقال باللسان ، وإنما هي كلمة لها معنى ولها مدلول ، فإذا قال لا إله إلا الله ، تلفَّظ بها، فلا بد أن يحقق معناها وأن يعمل بمقتضاها بأن يترك عبادة غير الله عز وجل يترك الشركيات يترك الاعتقادات الباطلة ، يترك نواقض الإسلام حتى تنفعه لا إله إلا الله ، وإلا فإنها تكون لفظاً لا معنى له.

المشركون لما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: قولوا لا إله إلا الله ، فهموا أن معناها أن يتركوا عبادة الأصنام ، لما قال لهم قولوا لا إله إلا الله ، قالوا:{ أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عُجاب. وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إنَّ هذا لشيء يراد. ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة  إنْ هذا إلا اختلاق}.

لما قال لهم قولوا لا إله إلا الله ، لو كان المقصود أنهم يتلفظون بها فقط سهل ذالك عليهم ، لكن علموا أن المقصــــود: أنهم تيركون عبادة الأصنام ، وأن يقتصروا على عبادة الله ، وهم لا يريدون ذالك! يريدون أن يبقوا على عبادة الأصنام، مثل قوم نوح ، لما قال لهم نبي الله نوح عليه الصلاة والسلام:{ يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره} { أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون} ماذا قالوا؟{وقالوا لا تذرُنَّ آلهتكم ولا تذرن وداً ولا سُواعاً ولا يغوث ويعوق ونسرا}

هذه معبوداتهم ، يقولون لا تطيعوا نوحاً! بأن تفردوا الله بالعبادة ، وتتركوا عبادة ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر،

هذه أسماء معبوداتهم ، فهموا أن معنى لا إله إلا الله: ترك عبادة ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر.

لكن المغفلين في هذا الزمان  لا يفقهون هذا المعنى! فهم يجمعون بين المتناقضات ؛ يقولون لا إله إلا الله ثم يقولون: المدد يا الحسين! المدد يا رسول الله! المدد يا عبد القادر! المدد يا فلان! يا فلان!…

هم يذبحون عند القبور، ويطوفون بالأضرحة ،يطوفون بها كما يطاف بالكعبة ؛ رجاء البركة!دفع الضرر، يقيمون عندها أياماً كما يقيم الحجاج في منى وعرفات ومزدلفة! يقيمون عند القبور أياما ً؛ يتعبدون لها ويذبحون لها كما يذبح المسلون الهدي في منى أيام الحج! هل هؤلاء مسلمون بالله عليكم؟

وهم ويقولون لا إله إلا الله ويكررونها، لكنهم لا يفقهون معناها، ولا يعملون بمقتضاها، وجمعوا بين المتناقضات- والعياذ بالله- فهم لم يحققوا ولم يأدوا حق الله على العباد، الذي هو عبادته وحده لا شريك له ، فهذا أمرٌ عظيم.

ذكر الله عن المشركين ، قال جل وعلا: { إنهــم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يسـتكبرون. ويقـــــولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون}يعنون محمداً صلى الله عليه وسلم ، إذا قيل لهم لا إله إلا الله ، قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم:

لا إله إلا الله ، استنكروا، وقالوا: أئنا لتاركوا آلهتنا!

لأن  لا إله إلا الله معناها: إبطال عبادة ما سوى الله ، فهم  فهموا معناها ، لكنهم لم يقبلوا العمل بمقتضاها.

أما والله هؤلاء الموجـودين الآن وقبل الآن من عُبَّــاد القبور ومن الصــوفية الغـــلاة وغيرهم ، والله إنـــهم لا يفهمون ما فهمته المشركون من معنى لا إله إلا الله ، ولذالك يقولون هذه الكلمة ثم ينقضونها بأفعالهم ،فهم يجمعون بين النطق بلا إله إلا الله وبين عبادة القبور والأضرحة ، لا يتركونها! فهؤلاء لم يحققوا معنى لا إله إلا الله ، ما فهموا معناها، ولا عملوا بمقتضاها.

إنه مما يجب علينا- أيها الاخوة – أن نهتم بهذا الأمر، أن ندرس معنى لا إله إلا الله .

ونعلم أنها ليست مجرد ألفاظ وحروف ، أو أن الإنسان يتكلم بها من أجل الأجر والثواب الذي رُتِّب عليها من غير فقهٍ في معناها ومن غير عملٍ بمقتضاها، لا يحصل أجر الذكر بلا إله إلا الله إلا إذا حُقق معناها، وإلا فلو رددها عدد الأنفاس ، صباحاً ومساءاً في الأوراد، وهو لم يُقلع عن عبادة القبور وعبادة الأولياء والصالحين، فإنها مجرد ألفاظ يقولوها لا تسمن ولا تغني من جوع ، وليس فيها له أجر ولا ثواب ، وإنما يتعب نفسه بغير فائدة؛ لأنه لم يعمل بمقتضى هذه الكلمة ولم يفقه معناها ؛ لم يتعلم عقيدة التوحيد.

فالإخلال بالتوحيد ينشأ عن أحد أمرين:-

إما عن الجهل بمعناه الصحيح ، ومعرفة ما يضاضه من الشرك والكفر.

وإما من أجل العناد والاستمرار على عوائد الناس وما كانوا عليه من دين الآباء والأجداد ، من غير اتباع للرسول صلى الله عليه وسلم ، وجد الناس ووجد البلدان يعبدون هذه الأصنام وهذه الأضرحة ، ويقول: أنا مثل آبائي وأجدادي ، أنا على دين آبائي{ كذالك ما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آبائنا على أمة وإنَّـا على آثارهم  مقتدون}.

فهو إما معاند ، يعرف الحق ، لكنه لا يعمل ؛ به جرياً على العادات والتقاليد الباطلة.

وإما أنه جاهل لا يدري ما معنى التوحيد ولا ما معنى العقيدة.

وكلا الأمرين – الجهل والعناد-  كلاهما مصدر الشقاء لبني آدم.

إذاً علينا أيها الاخوة: أن نعلم معنى هذه الكلمة: لا إله إلا الله.

معناها:- لا معبود بحق إلا الله سبحانه وتعالى.

هناك معبودات كثيرة ، لكنها معبودة بالباطل، لا يعبد بحق إلا الله سبحانه وتعالى، وجميع المعبودات غير الله فإنها معبودة بالباطل{ ذالك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير}.

فإذا عرفت معناها – معنى لا إله إلا الله- أنها تنفي جميع ما عُبد من دون الله، وتثبت العبادة لله وحده لا شريك له.

هذه الكلمة تتكون من نفي وإثبات :-

نفي جميع ما يعبد من دون الله وإبطاله واعتقاد بطلانه.                     ثم إثبات العبادة لله عز وجل.

هذا معناها { ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} هذا معنى لا إله إلا الله.

أن اعبدوا الله} هذا معنى: إلا الله .                    { واجتنبوا الطاغوت} هذا معنى: لا إله

اجتنبوا الطاغوت} هذا معنى النفي.                    { اعبدوا الله} هذا معنى الإثبات.

هذا معنى لا إله إلا الله.

{فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله}     هذا معنى لا إله إلا الله.

يكفر بالطاغوت} هذا معنى النفي ، لا إله.            { ويؤمن بالله}هذا معنى إلا الله.

تفسير الكلمة في القرءان العظيم ، وفي سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ وفي الحديث:-

يقول صلى الله عليه وسلم: [ من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبَد من دون الله ] لم يقتصر على قول لا إله إلا الله، بل لابد من الكفر بما يعبد من دون الله ، فإن كان يقول لا إله إلا الله لكنه لا يكفر بما يعبد من  دون الله فهو لم يكفر بالطــــــاغوت فلا تنفعه لا إله إلا الله ، وكذالك قوله صلى الله عليه وسلم: لما سأله أبو هريرة:

من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله؟

قال: [ من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه ].الإخلاص ، فمعنى لا إله إلا الله: الإخلاص في العبادة.

والإخلاص معناه:- ترك عبادة ما سوى الله وإفراد الله جل وعلا بالعبادة.

وكما سمعتم في الحديث: [ فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذالك وجه الله ].

لم يقتصر على لا إله إلا الله ، بل قال: [ يبتغي ] [ يبتغي بذالك وجه الله ] فإن كان يقول لا إله إلا الله ، وهو لا يبتغي بذالك وجه الله، وإنما يقول لا إله إلا الله مجاملة أو نفاق، كما يقولوها المنافقون ، فإنها لا تنفعه؛ لأنه لا يبتغي بالتلفظ بها وجه الله عز وجل ، وإنما يقصد بها غرضاً من أغراض الدنيا.

إذاً فحق الله سبحانه وتعالى على عباده حق عظيم ، ولا يمكن أن نفهمه ولا يمكن أن نأديه على الوجه الصحيح حتى نتعلم معنى التوحيد ومعنى الشرك حتى نتعلم معنى لا إله إلا الله ونفقه مدلولها ومقتضاها، ونستحضر هذا عند النطق بها، الإنسان عندما ينطق بلا إله إلا الله يجب عليه أن يستحضر معناها وأن يعتقد مدلولها، وأن يسير على نهجها في

أمور عبادته ، دائماً وأبداً، هذا معنى لا إله إلا الله ، وحقيقتها ومدلولها.

ولا يمكن أن تعرف هذا إلا إذا درست كتب العقيدة، كتب التوحيد التي ألفت في هذا الشأن، وتفهمت معانيها وحققت مدلولها، حينئذ تكون ممن يعبدون الله على بصيرة وعلى عقيدة ، فإن لم تفهم معناها ولم تدري مدلولها، فإنك تكون من الذين يعبدون الله على جهل وعلى ضلال ، وما يخطئون أكثر مما يصيبون.

كثر في الناس اليوم التساهل في تعلم التوحيد! تعلم العقيدة ، بل ربما بعضهم يقول : هذا أمر ثانوي!! الناس مسلمون، تعلمون المسلمين التوحيد! الناس مسلمون! نقول: يا سبحان الله ، لا يكونون مسلمين حتى يعرفوا التوحيد، من قال لك إنهم مسلمون وهم لا يعرفون التوحيد! لا يكون الناس مسلمين حتى يعرفوا التوحيد ، ويعملوا به، ما يكفي أن يقال الناس مسلمون ، الناس مؤمنون ، حتى يعرفوا معنى الإسلام ، ومعنى التوحيد، ويقوموا بذالك قياماً صحيحاً.

نحن نخشى أن نقع في الخطأ والخلل والضلال ونحن لا نشعر، فيجب علينا أن نتعلم ونتفقه في عقيدتنا حتى نؤدي عباداتنا على الوجه الصحيح وعلى الأساس السليم والاعتقاد المستقيم.

إنه أمر له أهميته وله خطره وله مكانته في الدين ، أما أننا نتعلم أموراً جانبية من أمور الدين ، أو من أمور الأخلاق  والعبادات دون أن نهتم بأمر العقيدة ، فإننا نشتغل بالأطراف ، ونترك الأصل ونترك الرأس المصحح لهذه الأعمال.

ولذالك ما زال المسلمون يقررون العقيدة في مدارسهم ، ويدرسونها لأولادهم، وفي مساجدهم، إلا أننا نخشى أن يصيب هذه البلاد ما أصاب غيرها من التساهل في أمر التوحيد وأمر العقيدة، والجهل بحق الله سبحانه وتعالى، فتقع هذه البلاد في ما وقعت فيه البلاد الأخرى من الشرك بالله عز وجل والضلال، كما تسمعون، أو كما رأى  بعضكم في تلك البلاد من الشرك بالله عز وجل والجهل بالدين وعبادة الأضرحة والقبور، لابد أن هذا بلغكم ، أو رأيتموه بأبصاركم إذا كان أحد منكم قد سافر إلى هناك. السبب في هذا ما هو؟

السبب في هذا أنهم تساهلوا في أمر التوحيد ، ولم يدرسوه ، ولم يهتموا به ، فوقعوا فيما وقعوا فيه.

أما هذه البلاد- ولله الحمد – لأنها كانت تهتم بالتوحيد وبتدريس التوحيد ، فإنها سلمت مما وقعت فيه البلاد الأخرى ولكننا نخشى في يوم من الأيام إذا تساهلنا وإذا غفلنا، وإذا سرت فينا هذه الدعاية  ؛ وهي أن التوحيد أمر جانبي!

وهناك ما هو أهم منه! كما يقولون! الناس مسلمون ولا يحتاجون إلى تعلم العقيدة ! هذا شيء بديهي يقولون! العقيدة أمر بديهي عند المسلمين! بديهية! هذا الكلام – والعياذ بالله – يدعوا إلى شر، ليست العقيدة بديهية، وليست العقيدة بالأمر الذي يُعرف بالانتساب ، لابد من الدراسة ، ولابد من التـعلم ، ولابد من المعــرفة والتحـقق ، ولابد من التفقـــه في العقيدة ؛ حتى تبقى لهذه البلاد هذه النعمة العظيمة التي منَّ الله بها عليها على سائر البلاد الأخرى ؛ من أن التوحيد هو المنهج وهو الأساس فيها، وأنها خالية – ولله الحمد- من الأضرحة ومن القبور التي تعبد من دون الله، بسبب العناية بالتوحيد، ومقاومة هذه الشركيات ، فإذا تكاسلنا وغفلنا، وأثرت علينا هذه الدعــــاية التي تروَّج ، وأن يقال المسلمون بحاجة إلى الاتحاد وإلى التجمع ، ويقولون : لا تذكروا العقيدة!  لأنكم تنفرون الناس تنفرون المسلمين إذا ذكرتم العقيدة! كل على عقيدته! وكلٌ له دينه!! هذا كلامٌ  – والعياذ بالله – باطل ، هذا معناه أن العقيدة لا قيمة لها، وأنه يكفي أن يقول الإنسان أنا مسلم فقط ، أو يكفي أنه يتلفظ بلا إله إلا الله دون أن يعرف معناها ، يقول لا إله إلا الله ويعمل ما شاء من المخالفات ، ويقال إنه مسلم!  يا سبحان الله ما هذا التناقض.

الإسلام ليس مجرد دعوة ، ولا إله إلا الله ليس مجرد لفظ يقال باللسان، حتى يحقَق معناها ومدلولها وحتى يكون المتكلم بها على فقه في معناها ، بعرف ماذا تعني وماذا يراد بها، يعرف ما يضادها وما يخالفها ، حتى يكون من أهل لا إله إلا الله على الحقيقة.

فهذا هو حق الله سبحانه وتعالى على عباده ، هو الحق الأول الذي ليس قبله حق من سائر الحقوق ، حق الله مقدم

واعبدوا الله ولا تشركوا به  شيئا} ثم قال: { وبالوالدين إحسانا} قال تعالى: { وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا

إياه وبالوالدين إحسانا} ثم قال: {وآتي ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل}ثم قال: { ولا تقربوا مال اليتيم إلا

بالتي هي أحسن} إلى آخر الحقوق التي ذكرها الله في سورة الإسراء، بدأها بحقها سبحانه وتعالى ، وختمها بحقه.

بدأها بقوله{ وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه} وختمها بقوله: { ولا تدعوا مع الله إلهاً آخر فتلقى في جهنم ملوماً مدحوراً}.

التوحيد هو أول الأمر وآخر الأمر ، وهو الأساس وهو القاعدة للدين ، أصل الدين هو التوحيد، حق الله سبحانه وتعالى  إذا أديت حق الله على الوجه الصحيح فإنك تؤدي بقية الحقوق ، أما إذا لم تؤدي حق الله فلا فائدة من أداء بقية الحقوق ولا تؤجر عليها ولا تستفيد منها.

هذا وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يمنَّ علينا وعليكم بالعلم النافع ، والعمل الصالح ، والبصيرة في دينه .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


Leave a comment

I’m Abul Baraa

About Me
I’m Abul Baraa Muhammad Amreeki, an Imam, writer, and student of knowledge passionate about sharing the timeless wisdom of Islam. My journey has been shaped by years of study in the Qur’an, Sunnah, and classical scholarship, while also exploring the role of mental health and psychology in a Muslim’s life.

I founded Islam’s Finest as a space where faith meets modern challenges—where Muslims can find guidance not only for their spiritual growth but also for their emotional and mental well-being. Writing is my way of building bridges between tradition and today’s realities, helping others strengthen their connection to Allah while navigating the tests of this dunya with clarity and resilience.

Let’s connect